فصل: باب الإفاضة من منى للطواف يوم النحر

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **


 باب رمي جمرة العقبة يوم النحر وأحكامه

1 - عن جابر قال ‏(‏رمى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم الجمرة يوم النحر ضحي وأما بعد فإذا زالت الشمس‏)‏‏.‏

أخرجه الجماعة‏.‏

2 - وعن جابر قال ‏(‏رأيت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم يرمي الجمرة على راحلته يوم النحر ويقول لتأخذوا عني مناسككم فأني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم والنسائي‏.‏

3 - وعن ابن مسعود ‏(‏أنه انتهى إلى الجمرة الكبرى فجعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه ورمى بسبع وقال هكذا رمى الذي انزلت عليه سورة البقرة‏)‏‏.‏

متفق عليه ولمسلم في رواية جمرة العقبة وفي رواية لأحمد ‏(‏انه انتهى إلى جمرة العقبة فرماها من بطن الوادي بسبع حصيات وهو راكب يكبر مع كل حصاة وقال اللّهم اجعله حجا مبرورا وذنبا مغفورا ثم قال ههنا كان يقوم الذي أنزلت عليه سورة البقرة‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الجمرة‏) يعني جمرة العقبة‏.‏ قوله ‏(‏يوم النحر ضحي‏) لاخلاف أن هذا الوقت هو الأحسن لرميها واختلف فيمن رماها قبل الفجر فقال الشافعي يجوز تقدمه من نصف الليل وبه قال عطاء وطاوس والشعبي وقالت الحنفية وأحمد وإسحاق والجمهور أنه لا يرمي جمرة العقبة إلا بعد طلوع الشمس ومن رمى قبل طلوع الشمس وبعد طلوع الفجر جازو أن رماها قبل الفجر أعاد وحكى المهدي في البحر عن العترة والشافعي أن وقت الرمي من ضحى يوم النحر واستدل القائلون بأن وقت الرمي من وقت الضحى بحديث الباب وبحديث ابن عباس الآتي قالوا وإذا كان من رخص له النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم منعه أن يرمي قبل طلوع الشمس فمن لم يرخص له أولى ـ واحتج المجوزون ـ للرمي قبل الفجر أسماء الآتي ولكنه مختص بالنساء كما سيأتي ولا حاجة إلى الجمع بينه وبين حديث ابن عباس بحمل حديث ابن عباس على الندب كما ذكره صاحب الفتح‏.‏ قال ابن المنذر السنة أن لا يرمي إلا بعد طلوع الشمس كما فعل النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ولا يجوز الرمي قبل طلوع الفجر لأن فاعله مخالف للسنة ومن رماها حينئذ فلا اعادة عليه إذ لا أعلم أحدا قال لا يجزئه انتهى‏.‏ والأدلة تدل على أن وقت الرمي من بعد طلوع الشمس لمن كان لا رخصة له ومن كان له رخصة كالنساء وغيرهن من الضعفة جاز قبل ذلك ولكنه لا يجزئ في أول ليلة النحر اجماعا وسيأتي بقية الكلام على هذا‏.‏

واعلم أنه قد قيل أن الرمي واجب بالإجماع كما حكى ذلك في البحر واقتصر صاحب الفتح على حكاية الوجوب عن الجمهور وقال انه عند المالكية سنة وحكى عنهم أن رمي جمرة العقبة ركن يبطل الحج بتركه وحكى ابن جرير عن عائشة وغيرها أن الرمي إنما شرع حفظا للتكبير فإن تركه وكبر اجزأه والحق أنه واجب لما قدمنا من أن أفعاله صلى اللّه عليه وآله وسلم بيان لمجمل واجب هو قوله تعالى ‏{‏وللّه على الناس حج البيت‏}‏ وقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏(‏خذوا عني مناسككم‏)‏‏.‏ قوله ‏(‏على راحلته)‏ استدل به على أن رمي الراكب لجمرة العقبة أضل من رمي الراجل وبه قالت الشافعية والحنفية والناصر والإمام يحيى وقال الهادي والقاسم إن رمي الراجل أفضل وأجابوا عن الحديث بأنه صلى اللّه عليه وآله وسلم كان راكبا لعذر الأزدحام‏.‏ قوله ‏(‏لتأخذوا‏)‏ بكسر اللام قال النووي هي لام ومعناه خذوا مناسككم قال وهكذا وقع في رواية غير مسلم وتقدير الحديث أن هذه الأمور التي أتيت بها في حجتي من الأقوال والأفعال والهيئات هي أمور الحج وصفته والمعنى اقبلوها واحفظوها واعملوا بها وعلموها الناس‏.‏ قال النووي وغيره هذا الحديث أصل عظيم في مناسك الحج وهو نحو قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم في الصلاة كما رأيتموني أصلي‏.‏ قال القرطبي ويلزم من هذين الأصلين أن الأصل في أفعال الصلاة والحج الوجوب إلا ما خرج بدليل كما ذهب إليه أهل الظاهر وحكى عن الشافعي انتهى وقد قدمنا في الصلاة أن مرجع واجباتها إلى حديث المسيء فلا يجب غير ما اشتمل عليه إلا بدليل يخصه وقد قدمنا أن افعال الحج وأقواله الظاهر فيها الوجوب إلا ما خرج بدليل كما قالت الظاهرية وهو الحق قال القرطبي روايتنا لهذا الحديث بلام الجر المفتوحة والنون هي مع الألف ضمير أي يقول لنا خذوا مناسككم فيكون قوله لنا صلة للقول قال وهو الأفصح وقد روى لتأخذوا ماسككم بكسر اللام للامر وبالتاء المثناة من فوق وهي لغة شاذة قرأ بها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم في قوله تعالى‏:‏ ‏"‏فبذلك فلتفرحوا‏"‏ انتهى

والأولى أن يقال انها قليلة لاشاذة لورودها في كتاب اللّه تعالى وفي كلام نبيه صلى اللّه عليه وآله وسلم وفي كلام فصحاء العرب وقد قرأ بها عثمان بن عفان وأبي وأنس والحسن وأبو رجاء وابن هرمز وابن سيرين وأبو جعفر المدني والسلمي وقتادة والجحدري وهلال بن يساف والأعمش وعمرو بن قائد والعباس بن الفضل الأنصاري قال صاحب اللوامح وقد جاء عن يعقوب كذلك قال ابن عطية وقرأ بها ابن القعقاع وابن عامر وهي قراءة جماعة من المسلمين كثيرة وما نقله ابن عطية عن ابن عامر هوخلاف قراءته المشهورة قوله‏:‏ ‏(‏لعلي لا أحج بعد حجتي هذه‏) فيه اشارة إلى توديعهم واعلامهم بقرب وفاته صلى اللّه عليه وآله وسلم ولهذا سميت حجة الوداع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إلي الجمرة الكبرى‏) هي جمرة العقبة‏.‏ قوله ‏(‏فجعل البيت عن يساره‏) فيه أنه يستحب لمن وقف عند الجمرة أن يجعل مكة عن يساره وله ‏(‏ومنى عن يمينه‏) فيه أنه يستحب أن يجعل منى على جهة يمينه ويستقبل الجمرة بوجهه قوله ‏(‏ورمى بسبع‏) فيه دليل على أن رمي الجمرة يكون سبع حصيات وهو يرد قول ابن عمر ما أبالي رميت الجمرة بست أو بسبع وسيأتي في باب المبيت بمنى متمسك لقوله وروى عن مجاهد أنه لاشيء على من رمى بست وعن طاوس يتصدق بشيء وعن مالك والأوزاعي من رمى بأقل من سبع وفاته التدارك يجبره بدم وعن الشافعية في ترك حصاة مد وفي ترك حصاتين مدان وفي ثلاثة فأكثر دم وعن الحنفية أن ترك أقل من نصف الجمرات الثلاث فنصف صاع والاقدم قوله‏:‏ ‏(‏سورة البقرة‏) خصها بالذكر لان معظم أحكام الحج فيها قوله‏:‏ ‏(‏سورة البقرة‏) خصها بالذكر لأن معظم أحكام الحج فيها قوله‏:‏ ‏(‏يكبر مع كل حصاة) وقد استدل بهذا على اشتراط رمي الجمرات بواحدة بعد واحدة من الحصى لأن التكبير مع كل حصاة يدل على ذلك وروى عن عطاء أنه يجزيء ويكبر لكل حصاة تكبيرة وقال الأصم يجزى مطلقا وقال الحسن البصري يجزىء الجاهل فقط وقال الناصر والحنفية يجزىء عن واحدة مطلقى وقالت الهادوية لا يجزىء بل يستأنف‏.‏ قوله ‏(‏وقال اللّهم‏) الخ فيه استحباب هذا الدعاء مع التكبير قال في الفتح وأجمعوا على أن من لم يكبر لا شيء عليه انتهى‏.‏

4 - وعن ابن عباس قال ‏(‏قدمنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم اغيلمة بني عبد المطلب على حمرات لنا من جمع فجعل يلطح أفخاذنا ويقول أبيني لا ترموا حتى تطلع الشمس‏)‏‏.‏

رواه الخمسة وصححه الترمذي ولفظه ‏(‏قدم ضعفة أهلة وقال لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس‏)‏‏.‏

5 - وعن عائشة قالت ‏(‏أرسل النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بأم سلمة ليلة النحر فرمت الجمرة قبل الفجر ثم مضت فأفاضت وكان ذلك اليوم الذي يكون رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يعني عندها‏)‏‏.‏

رواه أبو داود‏.‏

6 - وعن عبد اللّه مولى أسماء عن أسماء ‏(‏أنها نزلت ليلة جمع عند المزدلفة فقامت يا بني هل غاب القمر قلت لا فصلت ساعة ثم قالت يابني غاب القمر قلت نعم قالت فارتحلوا فارتحلنا ومضينا حتى رمت الجمرة ثم رجعت فصلت الصبح في منزلها فقلت لها يا هنتاه ما أرانا إلا قد غلسنا قالت يابني ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم اذن للظعن‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

7 - وعن ابن عباس ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بعث به مع أهله إلى منى يوم النحر فرموا الجمرة مع الفجر‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

حديث ابن عباس الأول أخرجه أيضا الطحاوي وابن حبان وصححه وحسنه الحافظ في الفتح وله طرق وحديث عائشة أخرجه أيضا الحاكم والبيهقي ورجاله رجال الصحيح‏.‏ وحديث ابن عباس الثاني أخرجه أيضا النسائي والطحاوي ولفظه ‏(‏بعثني النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم مع أهله وأمرني ان أرمي مع الفجر‏) وهو في الصحيحين بلفظ ‏(‏كنت فيمن قدم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم في ضعفة أهله من مزدلفة إلى منى‏)‏‏.‏ قوله ‏(‏أغيلمة‏) منصوب على الاختصاص أو على الندب قال في النهاية تصغير أغلمة بسكون الغين وكسر اللام جمع غلام وهو جائز في القياس ولم يرد في جمع الغلام أغلمة وإنما ورد غلمة بكسر الغين والمراد بالأغيلمة الصبيان ولذلك صغرهم قوله‏:‏‏(‏على جمرات‏) بضم الحاء المهملة والميم جمع لحمر وحمر جمع لحمار‏.‏ قوله ‏(‏فجعل يلطح‏) بفتح الياء التحتية والطاء المهملة وبعدها حاء مهملة‏.‏ قال الجوهري اللطح الضرب اللين على الظهر ببطن الكف انتهى‏.‏ وإنما فعل ذلك ملاطفة لهم‏.‏ قوله ‏(‏أبينى‏) بضم الهمزة وفتح الباء الموحدة وسكون ياء التصغير وبعدها نون مكسورة ثم ياء النسب المشددة كذا قال ابن رسلان في شرح السنن‏.‏ وقال في النهاية الا بيني بوزن الأعيمي تصغير الابنا بوزن الأعمى وهو جمع ابن‏.‏ قوله ‏(‏حتى تطلع الشمس‏) استدل بهذا من قال إن وقت رمي جمرة العقبة من بعد طلوع الشمس وقد تقدم الكلام على ذلك‏.‏ وأما وقت رمي غيرها فسيأتي في باب المبيت بمنى‏.‏ قوله ‏(‏فبل الفجر) هذا مختص بالنساء كما أسلفنا فلا يصلح للتمسك به على جواز الرمي لغيرهن من هذا الوقت لورود الأدلة القاضية بخلاف ذلك كما تقدم ولكنه يجوز لمن بعث معهن من الضعفة كالعبيد والصبيان أن يرمي في وقت رميهن كما في حديث أسماء وحديث ابن عباس الآخر قوله‏:‏ ‏(‏فأفاضت‏) أي ذهبت لطواف الإفاضة ثم رجعت إلى منى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏يعني‏) هو من تفسير أبي داود قوله ‏(‏عندها‏) يعني أم سلمة أي في نوبتها من القسم قوله‏:‏ ‏(‏فارتحلوا‏) في رواية مسلم فارحل بي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ياهنتاه‏) بفتح الهاء والنون وقدتسكن النون بعدها مثناة فوقية وآخرها هاء ساكنة هذا اللفظ كناية عن شيء لا تذكره باسممه وهو بمعنى يا هذه قوله‏:‏ ‏(‏ما أرانا‏) بضم الهمزة بمعنى الظن وفي رواية مسلم لقد غلسنا بالجزم وفي رواية الموطأ ‏(‏لقد جئنا بغلس‏) وفي رواية أبي داود ‏(‏انا رمينا الجمرة بليل وغلسنا‏) قوله ‏(‏اذن للظعن‏) بضم الظاء المعجمة جمع ظعينة وهي المرأة في الهودج ثم أطلق على المرأة مطلقا ‏(‏وفي هذا الحديث‏)‏ دليل على أنه يجوز للنساء الرمي لجمرة العقبة في النصف الأخير من الليل وقد تقدم الخلاف في ذلك واستدل به على اسقاط المرور وبالمشعر عن الظعينة ولا دلالة فيه على ذلك لأن غاية ما فيه السكوت عن المرور بالمشعر وقد ثبت في البخاري وغيره عن ابن عمر أنه كان يقدم ضعفة أهله فيقفون عند المشعر الحرام بالمزدلفة بليل ثم يقدمون مني لصلاة الفجر ويرمون قوله‏:‏ ‏(‏مع الفجر‏) فيه دليل على أنه يجوز للنساء ومن معهن من الضعفة الرمي وقت الفجر كما تقدم‏.‏

 باب النحر والحلاق والتقصير وما يباح عندهما

1 - عن أنس ‏(‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أتى منى فأتى الجمرة فرماها ثم أتى منزلة بمنى ونحر ثم قال للحلاق خذ وأشار إلى جانبه الأيمن ثم الأيسر ثم جعل يعطيه الناس‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم وأبو داود‏.‏

2 - وعن أبي هريرة قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم اللّهم اغفر للمحلقين قالوا يا رسول اللّه وللمقصرين قال اللّهم اغفر للمحلقين قالوا يا رسول اللّه وللمقصرين قال اللّهم اغفر للمحلقين قالوا يا رسول اللّه وللمقصرين قال وللمقصرين‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إلى جانبه الأيمن‏) فيه استحباب البداءة في حلق الرأس بالشق الأيمن من رأس المحلوق وهو مذهب الجمهور وقال أبو حنيفة يبدأ بجانبه الأيسر لأنه على يمين الحالق والحديث يرد عليه والظاهر أن هذا الخلاف يأتي في قص الشارب قوله ‏(‏ثم جعل يعطيه الناس‏) فيه مشروعية التبرك بشعر أهل الفضل ونحوه وفيه دليل على طهارة شعر الأدمي وبه قال الجمهور وقد تقدم الكلام على ذلك في أبواب الطهارة قوله‏:‏ ‏(‏اللّهم اغفر للمحلقين‏) لفظ أبي داود ‏(‏ارحم‏) كذا في رواية البخاري وفيه دليل على الترحم على الحي وعدم اختصاصه بالميت‏ قوله ‏(‏وللمقصرين‏) هو عطف على محذوف تقديره قل وللمقصرين ويسمى عطف التلقين ‏(‏والحديث‏)‏ يدل على أن الحلق أفضل من التقصير لتكريره صلى اللّه عليه وآله وسلم الدعاء للمحلقين وترك الدعاء للمقصرين في المرة الأولى والثانية مع سؤالهم له ذلك وظاهر صيغة المحلقين أنه يشرع حلق جميع الرأس لانه الذي تقتضيه الصيغة إذ لا يقال لمن حلق بعض رأسه أنه حلقه الا مجازا وقد قال بوجوب حلق الجميع أحمد ومالك واستحبه الكوفيون والشافعي ويجزىء البعض عندهم واختلفوا في مقداره فعن الحنفية الربع الا أن أبا يوسف قال النصف وعن الشافعي أقل ما يجب حلق ثلاث شعرات وفي وجه لبعض أصحابه شعرة واحدة وهكذا الخلاف في التقصير وقد اختلف أهل العلم في الحلق هل هو نسك أو تحليل محظور فذهب إلى الأول الجمهور وإلى الثاني عطاء وأبو يوسف ورواية عن أحمد وبعض المالكية والشافعي في رواية عنه ضعيفة وخرجه أبو طالب للّهادي والقاسم وقد اختلف أيضا في الوقت الذي قال فيه رسول اللّه هذا القول فقيل إنه كان يوم الحديبية وقيل في حجة الوداع وقد دلت على الأول أحاديث وعلى الثاني أحاديث أخر وقيل إنه كان في الموضعين أشار إلى ذلك النووي وبه قال ابن دقيق العيد قال الحافظ وهو المتعين لتظافر الروايات بذلك في الموضعين وهذا هو الراجح لأن الروايات القاضية بأن ذلك كان في الحديبية لا تنافي الروايات القاضية بأن ذلك كان في حجة الوداع وكذلك العكس فيتوجه العمل بها في جميعها والجزم بما دلت عليه وقد أطال صاحب الفتح الكلام في تعيين وقت هذا القول فمن أحب الإحاطة بجميع ذيول هذا البحث فليرجع إليه‏.‏

3 - وعن ابن عمر رضي اللّه عنه ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لبد رأسه وأهدى فلما قدم مكة أمر نساءه أن يحللن قلن مالك أنت لم تحل أني قلدت هديى ولبدت رأسي فلا أحل حتى أحل من حجتي وأحلق رأسي‏)‏‏.‏

رواه أحمد وهو دليل على وجوب الحلق‏.‏

4 - وعن ابن عباس رضي اللّه عنه قال ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ليس على النساء الحلق إنما على النساء التقصير‏)‏‏.‏

رواه أبو داود والدارقطني‏.‏

حديث ابن عمر هو في البخاري عنه عن حفصة ولكن ليس فيه وأحلق رأسي‏.‏ وحديث ابن عباس أخرجه أيضا الطبراني وقد قوى إسناده البخاري في التاريخ وأبو حاتم في العلل وحسنه الحافظ وأعله ابن قطان ورد عليه ابن المواق فأصابه ـ ‏وقد استدل‏ ـ بحديث ابن عمر على أنه يتعين الحلق على من لبد رأسه وبه قال الجمهور كما نقله ابن بطال وقالت الحنفية لا يتعين بل إن شاء قصر قال في الفتح وهذا قول الشافعي في الجديد قال وليس للأول دليل صريح انتهى‏.‏ ولا يخفى أن الحديث الذي ذكره المصنف دليل صريح ويؤيده أن الحلق معلوم من حالة صلى اللّه عليه وآله وسلم في حجه كم في صحيح البخاري عن ابن عمر ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم حلق في حجته‏)‏ قوله ‏(‏ليس على النساء الحلق‏) الخ فيه دليل على أن المشروع في حقهن التقصير وقد حكى الحافظ الإجماع على ذلك قال جمهور الشافعية فإن حلقت حلقت أجزأها قال القاضي أبو الطيب والقاضي حسين لا يجوز وقد أخرج الترمذي من حديث علي عليه السلام نهى أن تحلق المرأة رأسها‏.‏

5 - وعن ابن عباس قال ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم إذا رميت الجمرة فقد حل لكم كل شيء إلا النساء فقال رجل والطيب فقال ابن عباس أما أنا فقد رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يضمخ رأسه بالمسك أفطيب ذلك أم لا‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

6 - وعن عائشة قالت‏:‏ ‏(‏كنت أطيب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قبل أن يحرم ويوم النحر قبل أن يطوف بالبيت بطيب فيه مسك‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏ وللنساء ‏(‏طيب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم لحرمه حين أحرم ولحله بعدما رمى جمرة العقبة قبل أن يطوف بالبيت‏)‏‏.‏

حديث ابن عباس أخرجه أيضا أبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث الحسن العرب\ني عنه قال في البدر المنير إسناده حسن كما قال المنذري إلا أن يحيى بن معين وغيره قالوا يقال أن الحسن العرني لم يسمع من ابن عباس ـ وفي الباب ـ عن عائشة غير حديث الباب عند أحمد وأبي داود والدارقطني والبيهقي مرفوعا بلفظ ‏(‏إذا رميتم الجمرة فقد حل لكم الطيب والثياب وكل شيء إلا النساء‏) وفي إسناده الحجاج بن أرطاة وهو ضعيف وعن أم سلمة عند أبي داود والحاكم والبيهقي بنحوه وفي إسناده محمد بن إسحاق ولكنه صرح بالتحديث قوله‏:‏ ‏(‏فقد حل لكم كل شيء إلا النساء‏) استدلت به العترة والحنفية والشافعية على أنه يحل بالرمي لجمرة العقبة كل محظور من محظورات الإحرام إلا الوطء للنساء فإنه لا يحل به بالإجماع قال مالك والطيب‏.‏ وروى نحوه عن عمر وابن عمر وغيرهما وقال الليث إلا النساء والصيد وأحاديث الباب ترد عليهم‏.‏

وقد استدل المانعون من الطيب بعد الرمي بما أخرجه الحاكم عن ابن الزبير أنه قال إذا رمى الجمرة الكبرى حل له كل شيء حرم عليه إلا النساء والطيب حتى يزور البيت وقال إن ذلك من سنة الحج وبما أخرجه النسائي عن ابن عرم أنه قال إذا رمى وحلق حل له كل شيء إلا النساء والطيب ولا يخفى أن هذين الأثرين لا يصلحان لمعارضة أحاديث الباب وعلى فرض أن الأول منهما مرفوع فهو أيضا لا يعتد به بجنب الأحاديث المذكورة ولا سيما وهي مثبتة بحل الطيب قوله ‏(‏أفطيب ذلك أم لا‏) هذا استفهام تقرير لأن السامع لا بد أن يقول نعم وقد ثبت أن المسك أطيب الطيب كما سلف قوله ‏(‏قبل أن يحرم‏) قد تقدم الكلام على هذا مبسوطا‏.‏ قوله ‏(‏ويوم النحر قبل أن يطوف بالبيت‏) أي لأجل إحلاله من إحرامه قبل أن يطوف طواف الإفاضة وذلك بعد أن رمى جمرة العقبة كما وقع في الرواية الأخرى‏.‏

 باب الإفاضة من منى للطواف يوم النحر

1 - عن ابن عمر ‏(‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أفاض يوم النحر ثم رجع فصلى الظهر بمنى‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

2 - وفي حديث جابر ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم انصرف إلى المنحر فنحر ثم ركب فأفاض إلى البيت فصلى بمكة الظهر‏)‏‏.‏

مختصر من مسلم‏.‏

قوله ‏(‏أفاض‏) أي طاف بالبيت وفيه دليل على أنه يستحب فعل طواف الإفاضة يوم النحر أول النهار‏.‏ قال النووي وقد أجمع العلماء أن هذا الطواف وهو طواف الإفاضة ركن من أركان الحج لا يصح الحج إلا به واتفقوا على أنه يستحب فعله يوم النحر بعد الرمي والنحر والحلق فإن أخره عنه وفعله في أيام التشريق وأتى به بعدها أجزأه ولا شئ عليه عند الجمور ‏.‏ وقال أبو حنيفة ومالك إذا تطاول لزم معه دم أنتهى ‏.‏ وكذا حكى الإجماع على فرضية طواف الزيارة وأنه لا يجبره وأن وقته من يوم النحر الإمام المهدي في البحر وطواف الإفاضة وهو المأمور به في قوله تعالى ‏{‏وليطوفوا بالبيت العتيق‏}‏ وهو الذي يقال له طواف الزيادة قوله ‏(‏فصلى الظهر بمنى‏) وقوله في الحديث الآخر ‏(‏فصلى بمكة الظهر‏) ظاهر هذا التنافي وقد جمع النووي بأنه صلى اللّه عليه وآله وسلم أفاض قبل الزوال وطاف وصلى الظهر بمكة في أول النهار ثم رجع إلى منى وصلى بها الظهر مرة أخرى إماما بأصحابه كما صلى بهم في بطن نخل مرتين مرة بطائفة ومرة بأخرى فروى ابن عمر صلاته بمنى وجابر صلاته بمكة وهما صادقان‏.‏ وذكر ابن المنذر نحوه ويمكن الجمع بأن يقال أنه صلى بمكة ثم رجع إلى منى فوجد أصحابه يصلون الظهر فدخل معهم متنقلا لأمره صلى اللّه عليه وآله وسلم بذلك لمن وجد جماعة يصلون وقد صلى‏.‏

 باب ما جاء في تقديم النحر والحلق والرمي والإفاضة بعضها على بعض

1 - عن عبد اللّه بن عمر ‏(‏قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وأتاه رجل يوم النحر وهو واقف عند الجمرة فقال يا رسول اللّه حلقت قبل أن أرمي قال أرم ولا حرج وأتاه آخر فقال أني ذبحت قبل أن أرمي قال ارم ولا حرج وأتى آخر فقال أني أفضت إلى البيت قبل ان أرمي فقال ارم ولا حرج‏) وفي رواية عنه ‏(‏انه شهد كذا ثم قام آخر فقال كنت أحسب أن كذا قبل كذا حلقت قبل أن أنحر نحرت قبل أن أرمي وأشباه ذلك فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم افعل ولا حرج لهن كلهن فما سئل يومئذ عن شيء إلا قال (افعل ولا حرج‏)

متفق عليه‏.‏ ولمسلم في رواية ‏(‏فما سمعته يسئل يومئذ عن أمر مما ينسى المرء أو يجهل من تقديم بعض الأمور قبل بعض وأشباهها إلا قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم افعلوا ولا حرج‏)‏‏.‏

2 - وعن علي عليه السلام قال ‏(‏جاء رجل فقال يا رسول اللّه حلقت قبل أن أنحر قال أنحر ولا حرج ثم أتاه آخر فقال يا رسول اللّه أني أفضت قبل أن أحلق قال احلق أو قصر ولا حرج‏)‏‏.‏

رواه أحمد ‏.‏ وفي لفظ ‏(‏قال أني أفضت قبل أن أحلق قال احلق أو قصر ولا حرج قال وجاء آخر فقال يا رسول اللّه أني ذبحت قبل أن أرمي قال ارم ولا حرج‏)‏‏.‏

رواه الترمذي وصححه‏.‏

3 - وعن ابن عباس ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قيل له في الذبح والحلق والرمي والتقديم والتأخير فقال لا حرج‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏ وفي رواية ‏(‏سأله رجل فقال حلقت قبل أذبح قال إذبح ولا حرج وقال رميت بعدما أمسيت فقال أفعل ولا حرج‏)‏‏.‏ رواه البخاري وأبو داود وابن ماجه والنسائي‏.‏ وفي رواية قال ‏(‏قال رجل للنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم زرت قبل أن أرمي قال لا حرج قال حلقت قبل أن أذبح قال لا حرج قال ذبحت قبل أن أرمي قال لا حرج‏)‏‏.‏

رواه البخاري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في يوم النحر‏) في رواية للبخاري إن ذلك كان في حجة الوداع وفي له يخطب يوم النحر كما في الباب وفي أخرى له أيضا على راحلته قال القاضي عياض جمع بعضهم بين هذه الروايات بإنه موقف واحد على أن معنى خطب أنه علم الناس لا أنا خطبة من خطب الحج المشروعة قال ويحتمل أن يكون ذلك في موطنين أحدهما على راحلته عند الجمرة ولم يقل في هذا خطب والثاني يوم النحر بعد صلاة الظهر وذلك وقت الخطبة المشروعة من خطب الحج يعلم الإمام فيها الناس ما بقي عليهم من مناسكهم وصوب النووي هذا الاحتمال الثاني فإن قيل لامنافاة بين هذا الذي صوبه وبين ما قبله فإنه ليس في شيء من طرق الأحاديث بيان الوقت الذي خطب فيه الناس فيجاب بأن في رواية حديث ابن عباس التي ذكرها المصنف رميت بعد ما أمسيت وهي تدل على إن هذه القصة كانت بعد الزوال لأن المساء إنما يطلق على ما بعد الزوال وكأن السائل علم إن السنة للحجاج ان يرمي الجمرة أول ما يقدم ضحي فلما أخرها إلى بعد الزوال عن ذلك

ـ والحاصل ـ أنه قد أجتمع من الروايات أن ذلك كان في حجة الوداع يوم النحر بعد الزوال عند الجمرة والرجل المذكور في هذه الأحاديث قال الحافظ في الفتح لم نقف بعد البحث الشديد على أثم أحد ممن سأل في هذه القصة قوله ‏(‏حلقت قبل أن أرمي‏) في هذه الرواية قدم السؤال عن الحلق قبل الرمي وفي الرواية الثانية قدم السؤال عن الحلق قبل النحر وكذلك في حديث علي عليه السلام وفي الرواية الأخرى منه قدم الإفاضة قبل الحلق وفي الرواية الثالثة منه قدم الذبح قبل الرمي وفي رواية ابن عباس قدم الحلق قبل الذبح وفي الرواية الأخرى منه قدم الزيارة قبل الرمي ـ والأحاديث ـ المذكورة في الباب تدل على جواز تقديم بعض الأمور المذكورة فيها على بعض وهي الرمي والحلق والتقصير والنحر وطواف الإفاضة وهو إجماع كما قال ابن قدامة في المغني قال في الفتح إلا أنهم أختلفوا في وجوب الدم في بعض المواضع قال القرطبي روي عن ابن عباس ولم يثبت عنه أن من قدم شيئا على شيء فعليه دم وبه قال سعيد بن جبير وقتادة والحسن والنخعي وأصحاب الرأي وتعقبه الحافظ بأن نسبة ذلك إلى النخعي أصحاب الرأي فيها نظر وقال أنهم لا يقولون بذلك إلا في بعض المواضع وإنما أوجبوا الدم لأن العلماء قد أجمعوا على أنها مترتبة أولها رمي جمرة العقبة ثم نحر الهدي أو ذبحه ثم الحلق أو التقصير ثم طواف الإفاضة ولم يخالف في ذلك أحد إلا أن ابن جهم المالكي استثنى القارن فقال لا يحلق حتى يطوف ورد عليه النووي بالإجماع فالمراد بإجابهم الدم على من قدم شيئا على شيء يعنون من الأشياء المذكورة في هذا الترتيب المجمع عليه بأن فعل ما يخالفه‏.‏ وقد روى إيجاب الدم عن الهادي والقاسم‏.‏

وذهب جمهور العلماء من الفقهاء وأصحاب الحديث إلى الجواز وعدم وجوب الدم قالوا لأن قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم ولا حرج يقتضي رفع الأثم والفدية معا لأن المراد بنفي الحرج نفي الضيق وإيجاب أحدهما فيه ضيق وأيضا لوكان الدم واجبا لبينه صلى اللّه عليه وآله وسلم لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز وبهذا يندفع ما قاله الطحاوي من أن الرخصة مختصة بمن كان جاهلا أو ناسيا لا من كان عامدا فعليه الفدية‏.‏ قال الطببري لم يسقط النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم الحرج إلا وقد أجزأ الفعل إذ لم يجزئ لأمره بالإعادة لأن الجهل والنسيان لا يضيعان غير أثم الحكم الذي يلزمه بالحج كما لو ترك الرمي ونحوه فإنه لا يأثم بتركه ناسيا أو جاهلا لكن يجب عليه الإعادة قال والعجب ممن يحمل قوله ولا حرج على نفي الإثم فقط ثم يخص ذلك بعض الأمور دون بعض فإن كان الترتيب واجبا يجب بتركه دم فليكن في الجميع وإلا فما وجه تخصيص بعض دون بعض من تعميم الشارع الجميع بنفي الحرج انتهى‏.‏

وذهب بعضهم إلى تخصيص الرخصة بالناس والجاهل دون العامد واستدل على ذلك لقوله في حديث ابن عمرو فما سمعته يومئذ يسأل عن أمر ينسى أو يجهل الخ وبقوله في رواية للشيخين من حديثه ‏(أن رجلا قال له صلى اللّه عليه وآله وسلم لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي فقال أرم ولا حرج‏) وذهب أحمد إلى التخصص المذكور كما حكى ذلك عنه الأثرم وقد قوى ذلك ابن دقيق العيد فقال ما قاله أحمد قوي منجهة أن الدليل دل على وجوب إتباع الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلم في الحج بقوله ‏(‏خذوا عني مناسككم‏(‏وهذه الأحاديث المرخصة في تقديم ما وقع عنه تأخيره قد قرنت بقول السائل لم أشعر فيختص هذا الحكم بهذه الحالة وتبقى صورة العمد على أصل وجوب الإتباع في الحج وأيضا الحكم إذاىرتب على وصف يمكن أن يكون معتبرا لم يجز أطراحه ولا شك أن عدم الشعور مناسب لعدم المؤاخذة وقد علق به الحكم فلا يجوز إطراحه بالحاق العمد إذ لا يساويه ‏.‏ وأما التمسك بقول الراوي فما سئل عن شئ الخ لاشعاره بأن الترتيب مطلقا غير المراعة فجوابه أن الأخبار من الراوي يتعلق بما وقع السؤال عنه وهو مطلق بالنسبة إلى حال السائل والمطلق لا يدل على أحد الخاصين بعينه فلا يبقى حجة في حال العمد كذا بالفتح ‏.‏ ولا يخفاك أن السؤال له صلى اللّه عليه وآله وسلم وقع من جماعة كما في حديث أسامة بن شريك عند الطحاوي وغيره كان الأعراب يسألونه ولفظ حديثه عند أبي داود قال ‏(‏خرجت مع النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم حاجا فكان الناس يأتونه فمن قائل يا رسول اللّه سعيت قبل أن أطواف أوقدمت شيئا فكان يقول لا حرج لا حرج ويدل على تعدد السائل قول ابن عمرو في حديثه المذكور في الباب وأتاه آخر فقال أني أفضت الخ وقول علي علىه السلام في حديثه المذكور وأتاه آخر قوله‏:‏ ‏(‏وجاء أخر‏) وتعليق سؤال بعضهم بعدم الشعور لا يستلزم سؤال غيره به حتى يقال أنه يختص الحكم بحالة عدم الشعور ولا يجوز إطراحها بالحاق العمد بها ولهذا يعلم أن التعويل في التخصيص على وصف عدم الشعور المذكور في سؤال بعض السائلين غير مفيد للمطلوب نعم إخبار ابن عمرو عن أعم العام وهو قوله‏:‏ ‏(‏فما سأل يومئذ عن شيء‏) مخصص بإخباره مرة أخرى عن أخص منه مطلقا وهو قوله فما سمعته يومئذ يسئل عن أمر مما ينسى المرء أو يجهل ولكن عند من جوزالتخصيص بمثل هذا المفهوم‏.‏ قوله ‏(‏رميت بعدما أمسيت‏) فيه دليل على أن من رمى بعد دخول وقت المساء وهو الزوال صح رميه ولا حرج عليه في ذلك‏.‏

 باب استحباب الخطبة يوم النحر

1 - عن الهرماس بن زياد قال ‏(‏رأيت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم يخطب على ناقته العضباء يوم الأضحى بمنى‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود‏.‏

2 - وعن أبي أمامة قال سمعت خطبة النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بمنى يوم النحر‏)‏‏.‏

رواه أبو داود‏.‏

3 - وعن عبد الرحمن بن معاذ التيمي قال ‏(‏خطبنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ونحن بمنى ففتحت اسماعنا حتى كنا نسمع ما يقول ونحن في منازلنا فطفق يعلمهم مناسكهم حتى بلغ الجمار فوضع أصبعيه السبابتين ثم قال بحصي الخذف ثم أمر المهاجرين فنزلوا في مقدم المسجد وأمر الأنصار فنزلوا من وراء المسجد ثم نزل الناس بعد ذلك‏)‏‏.‏

رواه أبو داود والنسائي بمعناه‏.‏

4 - وعن أبي بكر قال ‏(‏خطبنا النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم يوم النحر فقال أتدرون أي يوم هذا قلنا اللّه ورسوله أعلم فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال أليس يوم النحر قلنا بلى قال أي شهر هذا قلنا اللّه ورسوله أعلم فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال أليست البدلة قلنا بلى قال فإن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرم يوم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى يوم تلقون ربكم ألا هل بلغت قالوا نعم قال اللّهم أشهد فليبلغ الشاهد الغائب فرب مبلغ أوعى من سامع فلا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض‏)‏‏.‏

رواه أحمد والبخاري‏.‏

الأحاديث المذكورة في هذا الباب قد قدمها المصنف رحمه اللّه تعالى في كتاب العيدين بالفاظها المذكورة ههنا من دون زيادة ولا نقصان ولم تجر له عادة بمثل هذا وقد شرحناها هنالك وذكرنا ما في الباب من الأحاديث التي لم يذكرها وسنذكرها ههنا فوائد لم نتعرض لذكرها هنالك تتعلف بالفاظ هذه الأحاديث‏.‏ فقوله ‏(‏العضباء‏) هي مقطوعة الأذن‏.‏ قال الأصمعي كل قطع في الأذن جدع فإن جاوز الربع فهي عضباء‏.‏ وقال أبو عبيدة أن الغضباء التي قطع نصف أذنها فما فوق وقال الخليل هي مشقوقة الأذن قال الحربي الحديث يدل على أن العضباء اسم لها وإن كانت عضباء الأذن فقد جعل اسمها هذا‏.‏ قوله ‏(‏يوم الأضحى بمنى‏) وهذه هي الخطبة الثالثة بعد صلاة الظهر فعلها ليعلم الناس بها المبيت والرمي في أيام التشريق وغير ذلك مما بين أيديهم‏.‏ قوله ‏(‏ففتحت‏) بفتح الثانية وكسر الفوقية بعدها أي اتسع سمع اسماعنا وقوى من قولهم قارورة فتح بضم الفاء والتاء أي واسعة الرأس قال الكسائي ليس لها صمام ولا غلاف وهكذا صارت أسماعهم لما سمعوا صوت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وهذا من بركات صوته إذا سمعه المؤمن قوى سمعه واتسع مسلكه حتى صار يسمع الصوت من الأماكن البعيدة ويسمع الأصوات الخفية‏.‏ قوله ‏(‏ونحن في منازلنا‏) فيه دليل على أنهم لم يذهبوا لسماع الخطبة بل وقفوا في رحالهم وهم يسمعونها ولعل هذا كان فيمن له عذر منعه من الحضور لاستماعها وهو الائق بحال الصحابة رضي اللّه عنهم‏.‏ قوله ‏(‏فطفق يعلمهم‏) هذا انتقال من التكلم إلى الغيبة وهو اسلوب من أساليب البلاغة مستحسن‏.‏ قوله حتى بلغ الجمار يعني المكان الذي ترمى الجمار والجمار هي الحصى الصغار التي يرمي بها الجمرات قوله‏:‏ ‏(‏فوضع أصبعيه السبابتين‏) زاد في نسخة لأبي داود في أذنيه وإنما فعل ذلك ليكون أجمع لصوته في اسماع خطبته ولهذا كان بلال يضع أصبعيه في صماخ أذنيه في الأذان وعلى هذا ففي الكلام تقديم وتأخير وتقديره فوضع أصبعيه السبابتين في أذنيه حتى بلغ الجمار قوله ‏(‏ثم قال‏) يحتمل أن يكون المراد بالقول القول النفسي كما قال تعالى ‏{‏ويقولون في أنفسهم‏}‏ ويكون المراد به هنا النية للرمي‏.‏ قال أبو حبان تراكيب القول الست تدل على معنى الخفة والسرعة فلهذا عبر هنا بالقول‏.‏ قوله ‏(‏بحصي الخذف‏) قد قدمنا في كتاب العيدين أنه بالخاء والذال المعجمتين قال الأزهري حصي الخذف صغار مثل النوى يرمى بها بين أصبعين قال الشافعي حصي الخذف أصغر من الأنملة طولا وعرضا ومنه من قال بقدر الباقلا‏.‏ وقال النووي بقدر النواة وكل هذه المقادير متقاربة لأن الخذف بالمعجمتين لا يكون إلا بالصغير‏.‏ قوله ‏(‏في مقدم المسجد‏) أي مسجد الخيف الذي بمنى ولعل المراد بالمقدم بالجهة قوله ‏(‏ثم نزل الناس‏) برفع الناس على أنه فاعل وفي نسخة من سنن أبي داود ثم نزل الناس بتشديد الزاي ونصب الناس وقد قدمنا شرح حديث أبي بكرة في كتاب العيدين مستكملا‏.‏

 باب إكفاء القارن لنسكيه بطواف واحد وسعي واحد

1 - عن ابن عمر ‏(‏قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم من قرن بين حجة وعمرته أجزأ لهما طواف واحد‏)‏‏.‏

رواه أحمد وابن ماجه ‏.‏وفي لفظ ‏(‏من أحرم بالحج والعمرة أجزأه طواف واحد وسعي واحد منهما حتى يحل منهما جميعا‏) رواه الترمذي وقال هذا حديث حسن غريب وفيه دليل على وجوب السعي ووقوف التحلل عليه‏.‏

2 - وعن عروة عن عائشة قالت ‏(‏خرجنا مع النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم في حجة الوداع فأهللنا بعمرة ثم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم من كان معه هدي فليهل بالحج مع العمرة ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعا فقدمت وأنا حائض ولم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة فشكوت ذلك إليه فقال انقضى رأسك وامتشطي وأهلي بالحج ودعى العمرة قالت ففعلت فلما قضينا الحج أرسلني مع عبد الرحمن بن أبي بكر إلى التنعيم فاعتمرت فقال هذه مكان عمرتك قالت فطاف الذين كانوا أهلوا بالعمرة بالبيت وبين الصفا والمروة ثم حلوا طوافا آخر واحدا‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

3 - وعن طاوس عن عائشة ‏(‏أنها أهلت بالعمرة بالحج فقال لها النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم يوم النفر يسعك طوافك وعمرتك فأبت فعثلا بها مع عبد الرحمن إلى تنعيم فاعتمرت بعد الحج‏)‏‏.‏

رواه أحمد مسلم‏.‏

4 - وعن مجاهد عن عائشة ‏(‏أ،ها حاضت بسرف فتطهرت بعرفة فقال لها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يجزي عنك طوافك بالصفا والمروة عن حجك وعمرتك‏)‏‏.‏

رواه مسلم وفيه تنبيه على وجوب السعي‏.‏

حديث ابن عمر أخرجه أيضا سعيد بن منصور مرفوعا بلفظ ‏(‏من جمع بين الحج والعمرة كفاه لهما طواف واحد‏) وأعله الطحاوي بأن الدراوردي أخطأ فيه وأن الصواب أنه موقوف وتمسك في تخطئته بما رواه أيوب والليث وموسى ابن عقبة وغير واحد من نافع نحو سياق ما في الباب من أن ذلك وقع لابن عمر وأنه قال أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فعل ذلك لأن روى هذا اللفظ عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال في الفتح وهو تعليل مردود فالدراوردي صدوق وليس ما رواه مخالفا لما رواه غير فلا مانع من أن يكون الحديث عن نافع على الوجهين‏.‏ وفي الباب عن جابر عند مسلم وأبي داود بلفظ ‏(‏لم يطف النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ولا أصحابه بين الصفا والمروة وإلا طوافا واحد‏) وأخرج عبد الرزاق عن طاوس بإسناد صحيح ـنه حلف ما طاف أحد من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم لحجته وعمرته إلا طوافا واحدا وأخرج البخاري عن ابن عمر أنه طاف لحجته وعمرته طوافا واحدا وأخرج البخاري عن ابن عمر أنه طاف لحجته وعمرته طوافا واحدا بعد أن قال إنه سيفعل كما فعل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وأخرج عنه من وجه آخر أنه رأى أن يقضي طواف الحج والعمرة بطوافه الأول يعني الذي طاف يوم النحر للإفاضة وقال كذلك فعل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏.‏

وبهذه الأدلة تمسك من قال أنه يكفي القارن لحجته وعمرته واحدوسعي واحد وهو مالك والشافعي وإسحاق وداود وهو محكىعن ابن عمر وجابر وعائشة كذا قال النووي وقال زيد بن علي وابو حنيفة وأصحابه والهادي والناصر‏.‏

قال النووي وهو محكى عن ابن أبي طالب عليه السلام وابن مسعود والشعبي والنخعي انه يلزم القارن طوافان وسعيان واجابوا عن حديث ابن عمر ‏.‏

ومنها جوابه عن حديث عائشة بأنها أرادت بقولها جمعوا بين الحج والعمرة جمع متعة لا جمع قران وهذا مما يتعجب منه فإن حديث عائشة مصرح بفصل من تمتع ممن قرن وما يفعله كل واحد منهما كما في حديث الباب المذكور فإنها قالت فطاف الذين كانوا أهلوا بالعمرة ثم قالت وأما الذين جمعوا الخ واستدلوا علي ما ذهبوا بما أخرجه عبد الرزاق والدار قطني وغيرهما عن علي عليه السلام أنه جمع بين الحج والعمرة وطاف لهما طوافين وسعي لهما سعيين ثم قال هكذا رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال الحافظ وطرفة ضعيفة وكذا روى نحوه من حديث ابن مسعود بإسناد ضعيف ومن حديث ابن عمر بإسناد فيه الحسن بن عمارة وهو متروك قال ابن حزم لا يصح عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ولا عن أحد من الصحابة في ذلك أصلا وتعقبه في الفتح بأنه قد روى الطحاوي وغيره مرفوعا عن علي وابن مسعود ذلك باسانيد لا بأس بها انتهى فينبغي ان يصار إلى الجمع كما قال البيهقي ان ثبتت الرواية انه طاف طوافين فيحمل على الطواف القدوم وطواف الإفاضة واما السعي مرتين فلم يثبت انتهى على انه يضعف ماروي عن علي عليه السلام مافي الفتح من انه قد روي آل بيته عنه مثل الجماعة قال جعفر بن محمد الصادق عن ابيه انه كان يحفظ عن علي للقارن طوافا واحدا خلاف مالقول أهل العراق ومما يضعف ما روى عنه من تكرار الطواف ان مثل طرقه عنه رواية عبد الرحمن ابن اذنية عنه وقد ذكر فيها أنه يمنع من ابتداء الاهلال بالحج بان يدخل علبه عمرة وان القارن يطوف طوافين ويسعى سعيين والذين احتجوا بحديثه لا يقولون بامتناع ادخال العمرة على الحج فإن كان الطريق صحيحة عندهم لزمهم العمل بما دلت عليه والافلا حجة فيها ويضعف ايضا ما روى عن ابن عمر من تكرار الطواف انه قد ثبت عنه في الصحيحين وغيرهما من طرق كثيرة الا كتفاء بطواف واحد أبو ثور على الاكتفاء بطواف واحد للقارن بحجة نظرية فقال قد أجزنا للحج والعمرة معا سفرا واحدا واحراما واحد وتلبية واحدة فكذلك يجزى عنهما طواف واحدوسعي واحد حكى هذا عنه ابن المنذر ومن جملة ما يحتج به على انه لهما طواف واحد دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة وهو صحيح وقد تقدم وذلك لانها بعد دخولها فيه لا تحتاج إلى عمل آخر غير عمله والسنة الصحيحة الصريحة أحق بالاتباع فلا يلتفت إلى ما خالفها قوله‏:‏ ‏(‏وامتشطى‏) فيه دليل على انه لا يكره الامتشاط للمحرم‏.‏ وقيل‏:‏ انه مكروه‏.‏ قال النووي‏:‏ وقد تأول العلماء فعل عائشة هذا على أنها كانت معذورة بأن كان برأسها أذى فأباح لها الامتشاط كما أباح لكعب بن عجرة الحلق للأذى وقيل ليس المراد بالامتشاط هنا حقيقة الأمتشاط بالمشط بل تسريح الشعر بالأصابع عند الفعل للإحرام بالحج لا سيما ان كانت لبدت رأسها كما هو السنة وكما فعل النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فلا يصح غسلها إلا بإيصال إلى جميع شعرها ويلزم من هذا نقضه ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يسعك‏) الخ المراد بالوسع هنا الأجزاء كما في الرواية الأخرى ‏.‏

 باب المبيت بمنى ليالي منى ورمي الجمار في أيامها

1 - عن عائشة ‏(‏قالت أفاض رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم من أخر يوم حين صلى الظهر ثم رجع إلى منى فمكث بها ليالي أيام التشريق يرمي الجمرة إذا زالت الشمس كل جمرة بسبع حصيات يكبر مع حصاة ويقف عند الأولى وعند الثانية فيطيل القيام ويتضرع ويرمي الثالثة لا يقف عندها‏)‏‏.‏

رواه أحمد وابو داود ‏.‏

2 - وعن ابن عباس ‏(‏ قال استأذن العباس رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أن يبيت بمكة مني من أجل سقايته فأذن له‏)‏‏.‏

متفق عليه ولهم مثله من حديث ابن عمر ‏.‏

3 - وعن ابن عباس قال ‏(‏رمى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم الجمار حين زالت الشمس رمينا‏)‏‏.‏

رواه البخاري وابن ماجه والترمذي‏.‏

4 - و عن ابن عمر قال ‏(‏كنا نتحين فإذا زالت الشمس رمينا‏)‏‏.‏

رواه البخاري وابن داود ‏.‏

5 - وعن ابن عمر ‏(‏ان النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم كان إذا رمى الجمار مشى اليها ذاهبا وراجعا‏)‏‏.‏

رواه الترمذي وصححه‏.‏ وفي لفظ عنه ‏(‏أنه كان يرمي الجمرة يوم النحر راكبا ةسائر ذلك ماشيا ويخبرهم أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم كان يفعل ذلك‏) رواه أحمد ‏.‏

حديث عائشة اخرجه أيضا ابن حبان والحاكم وحديث ابن عباس الثاني حسنه الترمذي وأخرج نحوه مسلم في صحيحه من حديث جابر ويؤيده حديث ابن عمر المذكور في الباب عند البخاري وحديث ابن عمر الثاني باللفظ الآخر أخرج نحوه أبو داود عنه بلفظ أنه كان يأتي الجمار في الأيام الثلاثة بعد يوم النحر ماشيا ذاهبا وراجعا ويخبر أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم كان يفعل ذلك وقد أخرج الترمذي نحوه عن ابن عباس عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بلفظ أنه كان بمشي إلى الجمار قوله‏:‏ ‏(‏فمكث بها ليال أيام التشريق‏) هذا من جملة ما استدل به الجمهور على أن المبيت بمنى واجب وأنه من جملة مناسك الحج ومن أدلتهم على ذلك حديث ابن عباس المذكور في أذنه صلى اللّه عليه وآله وسلم للعباس‏.‏ ومنها ما أخرجه أحمد وأصحاب السنن وابن حبان والحاكم عن عاصم بن عدي ‏(‏إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم رخص للرعاء أن يتركوا المبيت بمنى‏) وسيأتي والتعبير بالرخصة يفضي أن مقابلها عزيمة وأن الأذن وقع للعلة المذكورة وإذ لم توجد أو مافي معناها لم يحصل وقد اختلف في وجوب الدم لتركه فقيل يجب عن كل ليلة دم روى ذلك عن المالكية وقيل صدقة بدرهم وقيل إطعام وعن الثلاث دم هكذا روي عن الشافعي وهو رواية عن أحمد والمشهور عنه وعن الحنفية لا شيء عليه‏.‏ قوله ‏(‏يكبر مع كل حصاة‏) حكى الماوردي عن الشافعي أن صفته اللّه أكبر اللّه أكبر اللّه أكبر لا إله إلا اللّه واللّه أكبر اللّه أكبر وللّه الحمد‏.‏ قوله ‏(‏ويقف عند الأولى‏) الخ فيه استحباب الوقوف عند الجمرة الأولى والثانية وهي الوسطى والتضرع عندها وترك القيام عند الثالثة وهي جمرة العقبة قوله‏:‏ ‏(‏استأذن العباس‏) الخ قيل أن جواز ترك المبيت يختص بالعباس وقيل يدخل معه بنو هاشم وقيل كل من أحتاج إلى السقاية وهو جمود يرده حديث عاصم بن العدي الآتي‏.‏ وقيل يجوز الترك لكل من له عذر يشابه الأعذار التي رخص لأهلها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وهو قول الجمهور وقيل يختص بأهل السقاية ورعاة الأبل وبه قال أحمد وأختاره ابن المنذر قوله‏:‏ ‏(‏حين زالت الشمس‏) وكذا قوله في حديث عائشة ‏(‏إذا زالت الشمس‏) وقوله في حديث ابن عمر ‏(‏فإذا زالت الشمس رمينا‏) هذه الروايات تدل على أنه لا يجزي رمي الجمار في غير يوم الأضحى قبل زوال الشمس بل وقته بعد زوالها كما في البخاري وغيره من حديث جابر أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم رمى يوم النحر ضحى ورمى بعد ذلك بعد الزوال وإلى هذا ذهب الجمهور وخالف في ذلك عطاء وطاوس فقالا يجوز الرمي قبل الزوال أعاد إلا في اليوم الثالث فيجزيه والأحاديث المذكورة ترد على الجميع قوله‏:‏ ‏(‏نتحين‏) نتفعل من الحين وهو الزمان أي نراقب الوقت المطلوب قوله‏:‏ ‏(‏مشى إليها‏) أجمعوا على أن اتيان الجمار ماشيا وراكبا جائز ولكن أختلفوا في الأفضل وقد تقدم الخلاف في ذلك في رمي جمرة العقبة وفي غيرها قال الجمهور المستحب المشي وذهب البعض إلى استحباب الركوب يوم النحر والمشي في غيره والذي ثبت عنه صلى اللّه عليه وآله وسلم الركوب لرمي جمرة العقبة يوم النحر والمشي بعد ذلك مطلقا‏.‏

6 - وعن سالم عن ابن عمر‏(‏انه كان يرمي الجمرة الدنيا بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ثم يتقدم فيسهل فيقوم مستقبل القبلة طويلا ويدعو ويرفع يديه ثم يرى الوسطى ثم يأخذ ذات الشمال فيسهل فيقوم مستقبل القبلة ثم يدعو ويرفع يديه ويقوم طويلا ثم يرمي الجمرة ذات العقبة من بطن الوادي ولا يقف عندها ثم ينصرف ويقول هكذا رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يفعله‏)‏‏.‏

رواه أحمد والبخاري‏.‏

7 - وعن عاصم بن عدي ‏(‏ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم رخص لرعاء الأبل في البيتوتة عن منى يرمون يوم النحر ثم يرمون الغداة ومن بعد الغد ليومين ثم يرمون يوم النفر‏)‏‏.‏

رواه الخمسة وصححه الترمذي‏.‏ وفي رواية ‏(‏رخص للرعاء ان يرموا يوما ويدعوا يوما‏) رواه أبو داود والنسائي‏.‏

8 - وعن سعد بن مالك قال ‏(‏رجعنا في الحجة مع النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وبعضنا يقول رميت بسبع حصيات وبعضنا يقول رميت بست حصيات ولم يعب بعضهم على بعض‏)‏‏.‏

رواه أحمد والنسائي‏.‏

حديث عاصم بن عدي أخرجه مالك والشافعي وابن حبان والحاكم وفي الباب عن ابن عمرو بن العاص عند الدارقطني بإسناد ضعيف ولفظه ‏(‏رخص رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم للرعاء أن يرموا بالليل واية ساعة شاؤا من النهار‏) وعن ابن عمر عند البزار والحاكم والبيهقي بإسناد حسن‏.‏ وحديث سعد بن مالك سياقه في سنن النسائي هكذا أخبرني يحيى بن موسى البلخي حدثنا سفيان بن عيينه عن ابن أبي نجيح قال مجاهد قال سعد فذكره ورجاله رجال الصحيح‏.‏ وقد أخرج نحوه النسائي من حديث ابن عباس وأخرج أبو داود عن ابن عباس ‏(‏أنه سئل عن أمر الجمار فقال ما أدري رماها رسول اللّه بست أو بسبع‏) قوله ‏(‏الجمرة الدنيا‏) بضم الدال وبكسرها أي القريبة إلى جهة مسجد الخيف وهي أولى الجمرات التي ترمي ثاني يوم النحر قوله‏:‏ ‏(‏فيسهل‏) بضم التحتية وسكون المهلمة أي يقصد السهل من الأرض وهو المكان المستوي الذي لا ارتفاع فيه‏.‏ قوله ‏(‏ويرفع يديه‏) فيه استحباب رفع اليدين في الدعاء عند الجمرة وروي عن مالك أنه مكروه قال ابن المنذر لا أعلم أحدا أنكر رفع اليدين في الدعاء عند الجمرة إلا ماحكى عن مالك قوله‏:‏ ‏(‏ثم يرمي الوسطى ثم يأخذ ذات الشمال أي يمشي إلى جهة الشمال‏) وفي رواية للبخراي ‏(‏ثم ينحدر ذات الشمال مما يلي الوادي‏) قوله ‏(‏ويقوم طويلا‏) فيه مشروعية القيام عند الجمرتين وتركه عند جمرة العقبة ومشروعية الدعاء عندهما قال ابن قدامة لا نعلم لما تضمنه حديث ابن عمر هذا مخالفا إلا ما روى عن مالك من ترك رفع اليدين عند الدعاء قوله‏:‏ ‏(‏ويدعوا يوما‏) أي يجوز لهم أن يرموا اليوم الأول من أيام التشريق ويذهبوا إلى أبلهم فيبيتوا عندها ويدعوا يوم النفر الأول ثم يأتوا في اليوم الثالث فيرموا ما فاتهم في اليوم الثاني مع رمي اليوم الثالث وفيه تفسير ثان وهو أنهم يرمون جمرة العقبة ويدعون رمي ذلك اليوم ويذهبون ثم يأتون في اليوم الثاني من التشريق فيرمون ما فاتهم ثم يرمون عن ذلك اليوم كما تقدم وكلاهما جائز وإنما رخص للرعاء لأن عليهم رعي الأبل وحفظها لتشاغل الناس بنسكهم عنها ولا يمكنهم الجمع بين رعيها وبين الرمي والمبيت فيجوز لم ترك المبيت للعذر والرمي على الصفة المذكورة وقد تقدم الخلاف في الحاق بقية المعذورين بهم في أول الباب قوله‏:‏ ‏(‏ولم يعب بعضهم على بعض‏) استدل به من قال أنه يجوز الاقتصار على أقل من سبع حصيات وقد تقدم ذكر القائلين بذلك في باب رمي جمرة العقبة ولكن هذا الحديث لا يكون دليلا بمجرد ترك إنكار الصحابة على بعضهم بعضا إلا أن يثبت أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أطلع على شيء من ذلك وفرره‏.‏